هل يستطيع لبنان أن يفرض سيادة الدولة على كامل أراضيه في غضون أسابيع قليلة؟ وهل يمكن لخطة الجيش المنتظرة أن تمر وسط رفض «حزب الله» الصريح لأي مس بسلاحه؟ ماذا لو تحولت جلسة مجلس الوزراء إلى مواجهة سياسية مفتوحة، أو انفجرت الشوارع على وقع الانقسام؟ وهل الضغوط الدولية، من واشنطن مروراً باليونيفيل، قادرة على تحويل القرار إلى واقع، أم أن لعبة الوقت التي يجيدها حزب الله ستعيد الأمور إلى نقطة الصفر؟
أسئلة تزدحم في الأفق مع اقتراب موعد عرض خطة الجيش لحصر السلاح على الحكومة نهاية أغسطس الجاري. استحقاق يبدو إدارياً في شكله، لكنه في جوهره اختبار لمعادلات القوة بين الداخل والخارج، وامتحان لقدرة الدولة على فرض سلطتها في لحظة سياسية وأمنية شديدة التعقيد.
• ما تحمله الأيام القادمة
بحسب قرار الحكومة، فإن مهمة الجيش تتضمن إعداد خطة مفصلة تشمل الجداول الزمنية، الوسائل اللوجستية، وآليات التنفيذ اللازمة لضمان حصر السلاح بيد القوى الشرعية. هذه الخطة تأتي في سياق مسار دولي أوسع، يتدرج من تثبيت وقف إطلاق النار على الحدود الجنوبية، إلى إعادة انتشار الجيش اللبناني، ثم التعامل مع ملف سلاح حزب الله، وصولاً إلى مؤتمر دعم اقتصادي للبنان.
لكن المعطيات السياسية تشير إلى أن الملف لن يمر بسلاسة. فحزب الله يعتبر أن سلاحه مرتبط بمعادلة الردع في مواجهة إسرائيل، وأن أي مس به قبل معالجة الملفات الأمنية والحدودية يشكل تهديداً مباشراً لدوره. في المقابل، ترى الحكومة أن استمرار السلاح خارج سلطة الدولة يعمّق الانقسام الداخلي ويضعف قدرة لبنان على استعادة الاستقرار وجذب الدعم الدولي.
• جلسة على صفيح ساخن
الجلسة المرتقبة لمناقشة خطة الجيش ستجمع خليطاً من المواقف المتباينة. وزراء حزب الله وحركة أمل سبق أن انسحبوا من جلسات سابقة، رفضاً لأي نقاش في هذا الملف، بينما أصرّت غالبية الوزراء على المضي في المسار حتى النهاية. هذا التباين يجعل من الجلسة القادمة مسرحاً محتملاً لتصعيد سياسي، قد يتطور إلى تعطيل العمل الحكومي إذا تمسك كل طرف بموقفه.
ورغم أن الحكومة تحاول تقديم الخطة كإجراء تنظيمي يخدم المصلحة الوطنية، إلا أن أوساطاً مراقبة ترى أن ما سيجري في المجلس هو في جوهره معركة حول هوية الدولة وحدود سلطتها، ما يعني أن النتائج قد تتجاوز النصوص إلى موازين القوى على الأرض.
• بين مسارين مختلفين وهدف واحد
في السياق، يصل المبعوثان الأمريكيان توم براك ومورغن أورتاغوس إلى بيروت يومي 18 و19 أغسطس، وكل منهما يحمل ملفات مختلفة، براك يركز على الضغط السياسي لدفع الحكومة نحو خطوات عملية في حصر السلاح غير الشرعي بيد الدولة، في حين تهتم أورتاغوس بترتيبات التمديد لقوات اليونيفيل وربط هذا التمديد بمهمة الجيش وخطته المنتظرة. ورغم اختلاف المسارين، يلتقيان عند دعم المؤسسة العسكرية وتوفير الظروف الدولية التي تمكّنها من تنفيذ القرار الحكومي.
فهل تمهد الزيارة الأمريكية لفرض وقائع جديدة على الأرض تلزم الأطراف الداخلية بقبول خطة الجيش، أم أنها ستفاقم التعقيدات وتدفع بالمشهد إلى مزيد من التأزم؟
• خلف الكواليس.. ضغوط ومشاورات
بعيداً عن الإعلام، تدور اتصالات مكثفة بين رئاسة الحكومة وقيادة الجيش وعدد من البعثات الدبلوماسية الغربية، في محاولة لضمان أن تأتي الخطة قابلة للتنفيذ من دون أن تجر البلاد إلى مواجهة شاملة. المعلومات المسربة تشير إلى أن هناك حرصاً على صياغة مقترح يراعي الاعتبارات السياسية والأمنية معاً، ويتيح مساحة للحوار مع الأطراف المعنية، حتى وإن استلزم الأمر تقسيم الخطة إلى مراحل متدرجة.
• الثنائي الشيعي وشراء الوقت
تقول أوساط قريبة من عين التينة، لـ«عكاظ»، إن اللقاء الذي عُقد أخيراً، بين رئيس البرلمان نبيه بري وقائد الجيش العماد رودولف هيكل كان إيجابياً، وأكد خلاله هيكل رفضه الصدام مع مكوّن أساسي في البلد، لافتاً إلى أن الجيش سيطبق ما تتفق عليه السلطة السياسية، وأن المشكلة ليست مع المؤسسة العسكرية بل مع السلطة، والأمر يحتاج إلى حوار وتفاهم.
في المقابل، تكشف مصادر قريبة من حارة حريك، لـ«عكاظ»، أن حزب الله مرتاح لوضع الملف بيد اليرزة، رغم رفضه مسألة تحديد المهل، وهذا ما يعزز قناعة الثنائي مبدئياً بأن الجيش لن يدخل في صدام مباشر معهم، وأن أي خطة لن تُطبق بالقوة.
بالمقابل، يسعى حزب الله إلى استيعاب مفاعيل القرار الحكومي من خلال رهان على أن إمكانات الجيش لا تسمح بتنفيذ سريع للخطوة، ما يفتح المجال للمناورة والتأجيل. ويلعب نبيه بري دور الغطاء السياسي لهذا النهج، عبر إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع الحكومة، ومنع أي انسحاب وزاري قد يطيح بالمسار الحكومي.
• السيناريوهات بين الممكن والمخيف
استناداً إلى المواقف المعلنة والتحركات الجارية، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية: التوافق المرحلي: إطلاق الخطة تدريجياً مع تأجيل الملفات الأكثر حساسية. التأجيل المموه: إرجاء التنفيذ الفعلي إلى ما بعد أيلول بحجة استكمال المشاورات. الانفجار السياسي والأمني: مواجهة مباشرة وتعطيل حكومي وتصعيد في الشارع.
الخطورة في الأيام القادمة تكمن في أن لبنان يتحرك على خط رفيع بين استعادة الدولة هيبتها، وانزلاق المشهد إلى مواجهة مفتوحة. نجاح الحكومة في تمرير خطة الجيش سيعزز الثقة بقدرتها على الإمساك بالقرار السيادي، أما الفشل فسيضع البلاد أمام أزمة مركبة، مع تراجع الزخم الدولي وتعميق الانقسام الداخلي.
أخبار ذات صلة
0 تعليق