كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان البري والجوي على قطاع غزة، وتتصاعد عمليات التدمير في قلب القطاع، بينما باتت آثار العدوان تؤثر على جميع الفئات، وتُعمق المعاناة.
"الأيام"، رصدت مجموعة جديدة من العدوان وتبعاته، منها مشهد يرصد فقد مئات المواطنين بصرهم بسبب العدوان، ومشهد آخر يُسلط الضوء على تزايد معدل قتل النساء في القطاع، ومشهد ثالث بعنوان "الملعقة والسرنجة.. مكيال بيع جديد في غزة".
1500فقدوا بصرهم بسبب الحرب
لا يزال العدوان الإسرائيلي المُتصاعد، يفتك بالمواطنين في قطاع غزة، ويؤدي إلى كوارث كبيرة، ويزيد الجوع والمعاناة.
وأدى استخدام الاحتلال قنابل كبيرة تُصدر عند انفجارها درجات حرارة عالية، ووميضاً قوياً يخطف الأبصار، إلى فقد مئات المواطنين أبصارهم، بشكل كامل، فيما ما زال الآلاف يُعالجون، وأبصارهم مُهددة.
وتشهد أقسام العيون في مستشفيات القطاع تردداً لمصابين يعانون مشاكل كبيرة في الإبصار، جراء إصابتهم خلال الحرب المُستمرة، رغم أن الأقسام المذكورة تعاني نقصاً في المعدات والأدوية.
وتقول المواطنة "أم محمد هاشم"، إن ابنها فقد بصره منذ أكثر من عام، جراء غارة إسرائيلية شنتها طائرة حربية إسرائيلية على منزل مجاور، مبينه أن كتلة من اللهب التي نجمت عن الانفجار، اخترقت المنزل، ووصلت إلى ابنها وتسببت بحروق شديدة في وجهه، أدى إلى فقد بصره.
وأكدت أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فرغم فقد البصر، يُعاني نجلها من مشاكل في كلتا عينيه، ويعُالج باستمرار في مشافي وعيادات طبية في القطاع، وقد أخبرها بعض الأطباء أنه بحاجة للسفر إلى الخارج، وثمة فرصة لعلاجه في مراكز طبية مُتخصصة في بعض الدول، لكن الحصار يحول دون ذلك.
وأوضحت أنها وخلال ترددها على بعض المراكز الطبية والمشافي لعلاج ابنها، تُشاهد المئات يتوافدون لعلاج مشاكل في عيونهم، حتى باتت تشك في أن الاحتلال يستخدم قنابل بشكل متعمد، تؤدي إلى إفقاد الناس لأبصارهم.
من جهتها أعلنت وزارة الصحة في غزة أن نحو 1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء حرب الإبادة المستمرة، بينما يواجه 4000 آخرون خطر فقدان البصر نتيجة نقص الأدوية والمعدات الطبية.
وأوضح مدير مستشفى العيون في غزة الدكتور عبد السلام صباح، أن القطاع الصحي يُعاني عجزاً حاداً في المستهلكات والأجهزة الطبية اللازمة لجراحات العيون، خاصة لعلاج أمراض الشبكية والنزيف الداخلي.
وأشار إلى أن المستشفى يمتلك حالياً 3 مقصات جراحية مستهلكة فقط، ما يهدد حياة المرضى ويعيق إنقاذهم، لافتاً إلى نفاد المواد الطبية الأساسية مثل "الهيليوم" و"الخيوط الدقيقة"، اللازمة لعلاج إصابات العيون الناتجة عن الانفجارات.
وحذر صباح من توقف الخدمات الجراحية بالكامل في المستشفى، ما لم تتدخل الجهات الدولية والمنظمات الإنسانية بشكل عاجل لتوفير الدعم اللازم.
تزايد معدل قتل النساء
شهدت الأشهر والأسابيع الماضية تصاعداً كبيراً في عدد ضحايا القصف والمجازر الإسرائيلية من فئة النساء، اللواتي يتعرضن للقتل والإصابة على مدار الساعة.
وتسببت سياسة إسرائيل في قصف الخيام والمنازل المأهولة بشكل مباغت، في سقوط عدد كبير من النساء، ومن مختلف الأعمار ما بين شهيدات وجريحات.
ويومياً تستقبل مشافي قطاع غزة ضحايا من النساء، غالبيتهن يصلن من مخيمات النزوح، وأخريات من شقق ومنازل يتم استهدافها، بينما يتم استهداف سيدات بوساطة مُسيرات بشكل متعمد.
ووفق آخر الإحصاءات فإن عدد السيدات اللواتي قتلن خلال الحرب ارتفع إلى نحو 13 ألف شهيدة، وعشرات الآلاف من الجرحى من بين السيدات.
وحسب منظمة "هيومان رايتس ووتش"، فإن عدد القتلى الذي نشرته صحة غزة خلال الحرب، لا يشمل أعداد الوفيات بسبب المرض، أو ممن دفنوا تحت الأنقاض، حيث قدرت المنظمة الدولية أن ما نسبته 70% من إجمالي الوفيات، كان من النساء والأطفال، لافتة إلى أن "مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" تحقق من صحتها.
في حين قال "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، إن إسرائيل" تقتل امرأة كل ساعة في قطاع غزة منذ بداية العدوان.
وأكد المرصد أن نمط الاستهداف المُتكرر للنساء في غزة يؤكد أنّ "إسرائيل" تعتمد قتلهن كأداة للتدمير السكاني ضمن جريمة الإبادة الجماعية.
وبيّن المرصد أن مُعدل قتل "إسرائيل" الصادم وغير المسبوق للنساء في غزة يشمل فقط اللاتي قُتلن بالقصف المباشر، ولا يشمل من قضين بسبب الحصار والتجويع والحرمان من الرعاية الصحية.
وأشار المرصد إلى أن المعطيات الميدانية تكشف نمطاً منهجياً من قتل النساء الحوامل والأمهات الشابات مع أطفالهن، كسلوك يهدّد بصورة مباشرة مستقبل النسيج السكاني الفلسطيني، كما أن الاستهداف الإسرائيلي لا يقتصر على القتل، إذ تعاني 60 ألف امرأة حامل في غزة ظروفاً بالغة السوء نتيجة سوء التغذية، والجوع بفعل الحصار الشامل.
كما أكد أن قتل النساء والأمهات، خاصة النساء الحوامل، يأتي ضمن نمط واضح من منع الولادات القسري الذي يُصنف كركن أساسي من أركان جريمة الإبادة الجماعية.
وشدد المرصد على أن المجتمع الدولي مُطالب بتحمل مسؤولياته القانونية، والتحرك العاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة بأفعالها كافة.
الملعقة والسرنجة.. مكيال بيع جديد
لم يعد الكلغم أو اللتر مقياسين للبيع في قطاع غزة في ظل الأزمة الحالية، إذ أفرز الغلاء وشح السلع مقاييس جديدة، لم تكن معروفة من قبل، من بينها الملعقة، والسرنجة.
واستخدم المكيالان السابقان، كوسيلة لتحديد كميات بعض المواد الغذائية المُراد بيعها للمواطنين، خاصة السكر، وزيت الطعام، والسمنة، والطحينية، وغيرها من السلع التي باتت نادرة.
ووفق باعة ومواطنين يتراوح ثمن ملعقة السكر الممتلئة ما بين 3-4 شواكل، بينما يتم بيع زيت الطعام عبر سرنجة بـ"المليلتر"، وسعره غير ثابت، لكن قد يصل ثمن الميليلتر إلى 1 شيكل.
ويقول المواطن أحمد نصر الله، إنه وبعد شراء الخضراوات بالحبة، بدأ بشراء السلع بشكل أكثر تقنيناً، وبأسعار لم يتخيلها في حياته.
وأوضح نصر الله أن ما يحدث في القطاع مجاعة حقيقية، تفوق كل الوصف والتصورات، والناس لا يستطيعون توفير احتياجاتهم، وبعضهم يشترون كلغم طحين، ونصف كلغم معكرونة، مقابل مبلغ قدد يصل إلى 70 شيكلاً، كي يعدوا ما بين 12 - 17 رغيفاً صغيراً، يسكتون فيه جوع أبنائهم.
وأشار إلى أنه لم يتخيل في حياته أن تصبح السرنجة والملعقة أدوات مُعتمدة للمكيال عند الباعة، معرباً عن خشيته من ألا يجد الناس ما يشترونه من سلع في قادم الأيام.
في حين يقول البائع إسماعيل طالب، إن وضع الأسواق سيئ، والسلع المتوفرة تتناقص يوماً بعد يوم، والأسعار ترتفع، وهذا جعل الناس غير قادرين على شراء السلع بالكميات أو المكيال القديم، مثل الكيلو، أو اللتر، لذلك لجأ الباعة للبيع بمكاييل جديدة، تماشياً مع الوضع العام، قائلاً بتندر لم يعد أمام الباعة سوى بيع الرز بالحبة!.
وأكد أن هذه المكاييل ورغم أنها مُجحفة، ولا توفر للناس احتياجاتهم، إلا أنها خطوة اضطرارية، فالبعض يشتري السكر من أجل صنع كاستين من الشاي، وآخرون يشترون الزيت لإعداد وجبة صغيرة من الطعام، في ظل المجاعة والوضع المتردي في القطاع.
وبيّن أنه ورغم ذلك، إلا أن ثمة الكثير من العائلات التي أنهكها الفقر، غير قادرة على شراء شيء من السوق، وكانت تكيات الطعام هي وسيلتهم الوحيدة للحصول على الطعام.
0 تعليق