كتبت بديعة زيدان:
"هي ذي تفاحة الأنبياء: القدس.. ذاكرة الروح وصورته: القدس.. خطايانا الأخيرة، أو جنّتنا الثانية".
يمزج الشاعر الفلسطيني عبد الله عيسى في كتابه الأحدث "أورساليم القدس 2000"، بين أنواع أدبية عدّة، لذا خلا من تصنيف بعينه، لجهة التعريف بما يحويه باعتباره "كتابة جديدة"، لا يمكن حصرها في سرد أو أسلوب واحد، ما يعكس تعقيد هوية القدس، والواقع المعقد فيها على أكثر من مستوى، فيما يمثل هذا الاختيار الأسلوبي دعوة للقراء إلى الانخراط في طبيعة المدينة متعددة الأوجه، التي تشمل التاريخ والروحانية والواقع المعاصر.
الكتاب الصادر عن دار اليازوري للنشر في عمّان، تم إطلاقه في فعالية احتضنها مقر رابطة الكتّاب الأردنيين، مؤخراً، أدارها المخرج مصطفى أبو هنود، وشارك فيها: الشاعر يوسف عبد العزيز، والناقد والأكاديمي د. حسن المجالي.
وأكد عيسى أن "أورساليم القدس 2000" يأتي في إطار مواصلته مشروعه الشعري، مصنفاً هذا العمل ضمن تقليد أدبي أوسع يسعى إلى توثيق الهوية والتراث الفلسطيني والحفاظ عليهما من خلال الإبداع الأدبي، بحيث يؤكد هذا الترابط على أهمية الشعر كوسيلة للذاكرة الثقافية والمقاومة.
ويشير الشاعر الفلسطيني، المقيم في روسيا، إلى أنه سعى عبر "أورساليم القدس 2000" إلى توثيق جمال القدس وأهميتها الروحية، هي المدينة المعروفة تاريخياً بمدينة السلام، مُقدماً عديد المقتطفات التي تتأمل في الذاكرة الروحية للقدس، ومِحنها، وأملها الدائم رغم المعاناة والفقد، علاوة على مواضيع الإيمان والصمود والعواقب المأساوية للصراع، مُشدداً على الدور الرمزي للمدينة كملاذٍ وموقعٍ للألم التاريخي.
وتُبرز المقتطفات التي قدّمها عيسى القدس كـ"ذاكرة للروح" ومستودع للخطايا والآمال الجماعية، مُعرجاً على الدور المزدوج للمدينة كمكان يجمع بين القداسة والضعف البشري في الأبعاد الأخلاقية والوجودية لصراعات المدينة المستمرة.
واختتم عيسى حديثه بالتأمل في الندم الجماعي الذي قد تواجهه البشرية على ما حدث للقدس، والنضال المستمر للحفاظ على إرثها في ظل الاضطرابات السياسية والاجتماعية، وهي رسالة تحذيرية كانت بمثابة دعوة للعمل من أجل حماية القدس وتراثها.
بدوره، ناقش الشاعر يوسف عبد العزيز السياق التاريخي والسياسي الذي يتناوله كتاب "أورساليم القدس 2000"، بما في ذلك تاريخ القدس القديم، واحتلالا العامين 1948 و1967، والأحداث الرمزية للوجود العسكري الإسرائيلي، مُبرزاً نقد عيسى للمناورات السياسية الدولية، ورفضه لجهود السلام مع الكيان الصهيوني، وتأكيده على الصمود والكفاح المسلح كضرورة لتحرير فلسطين.
ولم يغفل عبد العزيز الحديث عن الأسلوب الأدبي المبتكر للشاعر في هذا الكتاب، الذي يجمع بين النصوص الشعرية والسردية، مخاطباً، عبرها، الجمهور الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة وخارجها، من خلال ذلك التفاعل الديناميكي بين الصور الشعرية والحوار السردي المباشر، ما يُثري التجربة الجمالية للقارئ، ويُعمّق فهمه للصمود الفلسطيني وأحلام التحرير، واصفاً نصوص عبد الله عيسى، باعتبارها "نصوصاً قتالية" تدعو إلى المواجهة الفاعلة، وتُبشّر بالتحرير في نهاية المطاف، كما تؤكّد على الهوية الفلسطينية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحلم العودة والنضال ضد الاحتلال، خاتماً ما جاء في "أورساليم القدس 2000" برسالة أمل وصمود.
وتحدث الناقد والأكاديمي د. حسن المجالي، بداية، عن الشاعر عبد الله عيسى، مُؤكّداً على دوره المزدوج كفنان ملتزم ومدافع عن الثقافة، يُحدّد فلسفته الشعرية ويُجدّدها، فالشعر عنده ليس مجرد جمال، بل أداة للبقاء والصمود، لا سيما في مواجهة مأساة فلسطين، لافتاً إلى أن عيسى يرفض في أعماله ممارسة التسطيح، ويتبنّى انخراطاً عميقاً في القضية الفلسطينية، ساعياً إلى إبداع نصوص تُجدّد صداها يوميّاً مع الحفاظ على الذاكرة التاريخية والوجدانية.
ورأى المجالي أن عيسى في "أورساليم القدس 2000"، يواجه التزييفات التاريخية ويستعيد هوية القدس من خلال مزيج من الخيال الشعري والنثر الوثائقي، لافتاً إلى أن أسلوب الشاعر يقوم على مزج التاريخي والأسطوري لتصوير المأساة الفلسطينية بوضوح، مُبرزاً بذلك التكلفة البشرية للصراع المستمر، واستمرار الذاكرة الفلسطينية كما المقاومة.
ويُبرز المجالي الكثافة الروحية والعاطفية في شعر عبد الله عيسى، الذي يتميز بحماسه الصوفي، وحيويته الاستشهادية، والتزامه الراسخ بالذاكرة الفلسطينية، قبل أن يشدد على دور الشاعر كحارس للثقافة في ظل محاولات طمس الهوية الفلسطينية المستمرة.
0 تعليق