كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على عموم قطاع غزة منذ السابع من تشرين الثاني 2023، مع تصاعد المجازر، واستمرار التجويع، بينما تزداد معاناة النازحين في مناطق المواصي، غرب محافظة خان يونس.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع، منها مشهد يرصد انهيار القطاع الزراعي في غزة، ومشهد آخر يوثق سعي الصيادين والهواة للبحث عن الأسماك الصغيرة، ومشهد ثالث تحت عنوان: "المجاعة تنشر الفوضى".
انهيار القطاع الزراعي
منذ أكثر من عام ونصف العام، يسعى جيش الاحتلال إلى تدمير الأراضي الزراعية الممتدة شمال وشرق وجنوب ووسط قطاع غزة، وحوّلها إلى "منطقة عازلة"، ما يظهر نيته تجويع المواطنين، وجعل القطاع خالياً من أي شكل من أشكال الإنتاج الزراعي.
وتشير تقديرات الجهات المختصة إلى أن إسرائيل جرفت ودمرت واحتلت ما يزيد على 90% من المساحات المخصصة للزراعة داخل قطاع غزة، وأجهزت على مقومات الإنتاج الحيواني، ما يجعل من الصعب العودة إلى دوران عجلتها مرة أخرى.
وحالياً، تُسيطر قوات الاحتلال على جميع الأراضي الزراعية الواقعة على امتداد الحدود الشرقية لقطاع غزة، والتي تبلغ مساحتها نحو 30 ألف دونم، ضمن ما أطلق عليه "المنطقة العازلة"، التي خرجت بالكامل عن الخدمة، كما أنها لم تعد صالحة للزراعة بسبب كمية المتفجرات التي ألقيت عليها، وتكرار تجريفها، بينما احتلت جميع مناطق رفح، بما فيها المناطق الزراعية التي تصل مساحتها إلى أكثر من 25 ألف دونم، وحولت جميع أحياء جنوب خان يونس، التي توجد فيها أخصب الأراضي الزراعية إلى مناطق عازلة، يُحظر على السكان الوصول إليها.
ووفق ما أكده مزارعون ومختصون لـ"الأيام"، فإن الاحتلال لم يكتفِ بتدمير الأراضي والسيطرة عليها، إذ يمنع منذ أكثر من 19 شهراً، وصول جميع مُدخلات الإنتاج الزراعي إلى غزة، بما في ذلك البذور، والأسمدة، والأشتال، والأدوية الزراعية، وما هو متوفر منها ارتفعت أسعاره إلى أكثر من 1000%، عدا تدمير آبار المياه والخطوط الناقلة، التي كانت تمد الأراضي بحاجتها من المياه، ويحاول مزارعون حالياً استصلاح ما تبقى من أراضي غرب خان يونس، وفي منطقة الزوايدة، غير أن تكلفة الزراعة باتت باهظة، ما انعكس سلباً على الأسعار في الأسواق.
ووصف الخبير الزراعي والبيئي نزار الوحيدي، الحرب الإسرائيلية بـ"الطاحنة"، التي طالت كل مقومات الحياة في قطاع غزة، مشدداً على أن الاحتلال دمّر ما مجموعه 90% من القطاع الزراعي، وأخرج دائرة الإنتاج في كامل المناطق الحدودية عن الخدمة.
وأكد الوحيدي أن قطاع غزة كان لديه اكتفاء ذاتي بأكثر من 25 صنفاً من الخضراوات والفواكه، لكن الاحتلال قضى عليها جميعاً، وأنهى الإنتاج المحلي بالتزامن مع إغلاق المعابر، بهدف قتل الشعب الفلسطيني جوعاً وخلق أزمة غذاء.
البحث عن الأسماك الصغيرة
باتت الأسماك النادرة والصغيرة في بحر غزة، هدفاً لعشرات الصيادين والهواة، الذين ينصبون الشباك والصنارات على طول الشاطئ، بهدف صيد ولو القليل منها، في محاولة لتوفير قوت لعائلاتهم.
ويومياً، يُشاهد شبان وفتية يمسكون صنارات، أو خيوطاً بلاستيكية، جرى لفها على قارورات، ويلقون بصناراتهم التي وضعوا فيها طعماً من ديدان الشاطئ إلى البحر، في محاولة لصيد بعض الأسماك، حتى لو كانت صغيرة.
وقال الشاب بسام عوض، وهو نازح من مدينة رفح، إنه جلب معه صنارة ومعدات صيد، قبل نزوحه من منزله في رفح، بهدف حمايتها من التدمير أو السرقة، ومع اشتداد المجاعة، وخلو السوق من السلع والبضائع، اقترحت عليه زوجته التوجه إلى البحر ومحاولة الصيد، خاصة أنه يقطن في خيمة تبعد 300 متر فقط عن الشاطئ، ولا يحتاج بدل مواصلات كي يتحرك، وبالفعل توجه إلى البحر، وجمع الطعم "دود"، من الشاطئ، وفوجئ بعدد كبير من الصيادين ينتشرون هناك.
وأشار عوض إلى أن الأسماك التي تتواجد في البحر حالياً صغيرة تندرج ضمن أسماك "البذرة"، وهي أسماك لم يفكر يوماً بصيدها، وفي حال كانت تعلق بصنارته في السابق، كان يُخلصها ويرميها في البحر، لكن حالياً وفي ظل المجاعة المستشرية، وقلة الطعام، بات يحرص على صيدها، ونجح قبل يومين بصيد نحو 650 غراماً منها، ما وفر لعائلته وجبة مُغذية يستحيل عليه توفيرها حالياً.
ولفت إلى أنه كان يصيد في السابق من أجل إشباع هوايته، وكثيراً ما كان يهدي السمك الذي يصيده لأحد أصدقائه من الصيادين، لكنه أصبح يصيد من أجل أن يأكل، ويُلاحق بصنارته أسماكاً صغيرة لم يكن يتخيل في حياته أنه يمكن أن يصيدها.
الأمر ذاته قاله المواطن محمود شعبان، الذي يصيد على شاطئ بحر خان يونس كل يوم، مؤكداً أن السمك بات حلم كل صياد في ظل المجاعة، ومن أجل صيده اشترى صنارة صغيرة الحجم، وخيطاً بقيمة 70 شيكلاً، ويقضي يوميا بين 6 و8 ساعات تحت الشمس، في محاولة لصيد السمك.
وبيّن أن البحر يشهد نشاطاً رغم خطر زوارق الاحتلال الحربية وإطلاق النار، فالبعض يضع شباكاً، وآخرون صنارات، والجميع يبحثون عن السمك مهما كان حجمه.
الجوع ينشر الفوضى
شهد قطاع غزة، خاصة محافظة غزة، تردياً كبيراً في الأوضاع الأمنية، وانتشاراً أوسع للفوضى، وتعديات على الملكيات الخاصة والعامة بطريقة غير مسبوقة.
وشهدت الأيام القليلة الماضية سلسلة من عمليات السرقة والسطو المنظمة والعشوائية، تركزت غالبيتها في مدينة غزة، ومدينة دير البلح وسط القطاع.
ووفق متابعات "الأيام"، فقد سطا لصوص على مخازن، ومحال تجارية، ومستودعات لتجار، وسرقوا كميات كبيرة من المواد الغذائية، والطحين، ومن بين المقار التي تعرضت للسرقة مخزن منظمة الغذاء العالمي في مخيم الشاطئ، ومخزن النادي الأهلي في حي الشيخ رضوان، ومخزن في فندق المشتل شمال غربي مدينة غزة، كما تمت سرقة أثاث من "بركس نويجع"، ومخزن تابع لوكالة الغوث "الأونروا"، ومخزن تابع لمخبز شهير في غزة، ومؤسسات وشركات ومكاتب أخرى.
حوادث السرقة المذكورة، عزاها البعض إلى الجوع المستشري في قطاع غزة، وآخرون اعتبروها نتاج غياب القانون، والانفلات الأمني، وقد خلفت هذه الحوادث حالة من القلق على المستوى الشعبي، على اعتبار أن معظمها مُنظمة، قامت بها عصابات استغلت الوضع الحالي، وسط مخاوف وقلق شديدين من تطور مثل هذه السلوكيات، لتصبح أكثر انتشاراً، وتطال ممتلكات المواطنين، ومنازلهم وخيامهم.
وقال المواطن أنس صلاح، إن ما يحدث أمر خطير جداً وغير مسبوق، ويُنذر بحالة فوضى كبيرة، خاصة أن معظم السرقات نفذتها عصابات، ولم تنجم عن حالة جوع، عدا بعض الحوادث التي نتجت عن حالة الجوع، حيث وجدت المسروقات تباع في الأسواق بأسعار عالية جداً.
وذكر صلاح أن اللصوص يستغلون حالة الفراغ الأمني، ويتحركون بحرية تحت أعين الاحتلال وطائراته، وينشرون الفوضى في القطاع، ويبدو أن الاحتلال هو مَن هندس وخطط لهذا الوضع، ضمن مساعيه لنشر الفوضى في قطاع غزة، ويبدو أن القادم سيكون أصعب في ظل استمرار الحرب، وغياب الشرطة، وتغييب القانون.
وأوضح أن تفشي المجاعة، وعدم قدرة المواطنين على توفير قوت أبنائهم، سيخلقان لصوصاً جدداً، وسيؤديان إلى فوضى أعمق.
من جهته، قال المواطن أيمن السلطان، إن السرقات الأخيرة التي بدأت في مدينة غزة، قد تنتشر لباقي أنحاء القطاع، وباتت هناك مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة وسلوك يؤدي إلى المزيد من الفوضى.
وشدد على ضرورة إيجاد حل فاعل لمثل هذه الظواهر الخطيرة، خاصة في ظل غياب الشرطة، كتشكيل لجان حماية أهلية في مخيمات النازحين، وفي المناطق السكنية، من أجل حماية ممتلكات المواطنين، ومنع التعدي عليها.
0 تعليق